صباح /مساء
الخير
أخواني أخواتي الأعضاء هناك رجال صنعوا لنا التاريخ ذهبوا بأجسادهم ولكن أرواحهم وأفكارهم عائشة بيننا نقتبس من نورهم كل يوم
رجال صنعوا لنا التاريخ
(سيد قطب)
«إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثًا هامدة، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذَّيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء»
في تاريخنا الأسلامي علماء تركوا لنا علامات مضيئة؛ سطَّرت بيراعها أنصع الصفحات فصنعت للإنسانية تاريخًا ميَّزها عن سائر المخلوقات، من تلك العلامات يقف سيد قطب علامة مضيئة في تاريخ فكرنا الإسلامي المعاصر، فهو واحد من الذين قدّموا أنفسهم فداءً لأفكارهم وكلماتهم
وفي حياة سيد قطب الكثير والكثير، فحينما تعرَّض لمحنته الكبرى على يد هولاكو مصر المعاصرة، بدأ الناس يتخلصون من فكره وتراثه ودراساته الإسلامية، وحتى أعماله الأدبية بالحرق له، خوفًا من البطش والتنكيل، فضاع بذلك كثير من تراث الفقيد وأعماله الأدبية وكتاباته البحثية
سير ومسيرة
ولد سيد قطب في قرية من قرى صعيد مصر تسمى (موشا) بمحافظة أسيوط في 9 أكتوبر 1906م، من أسرة متوسطة الحال، وقد اكتسب والده مكانة اجتماعية متميزة بسبب سلوكه الشخصي وثقافته
دخل سيد مدرسة القرية في سن مبكرة، ظهر نبوغه منذ الصغر، فأتم حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة القرية استعد للسفر إلى القاهرة لإكمال دراسته فيها، فكان ذلك عام 1920م، وأقام عند خاله أحمد حسين عثمان، وكان من خريجي الأزهر ويعمل بالصحافة والتدريس، وكان منتميًا لحزب الوفد وصديقًا للأديب الكبير عباس محمود العقاد.
ثم التحق بمدرسة المعلمين الأولية ودار العلوم التي تخرج فيها حاملاً شهادة الإجازة العالية (الليسانس) في اللغة العربية وآدابها..
وفي تقديم مهدي علاّم لكتاب سيد قطب «مهمة الشاعر في الحياة» دليل كافٍ على ذكاء سيد المبكر وطموحه
يقول علاّم: «إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورًا وقناعة واطمئنانًا إلى أنني سأحمّل أمانة العلم والأدب من لا أشك في حسن قيامه عليها... وإنني أَعُدُّ سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم».
وفور تخرجه في دار العلوم عام 1933م توالت مقالاته النقدية والأدبية على صفحات مجلة الأُسبوع، والبلاغ الأُسبوعي، والرسالة، والثقافة، والمقتطف، والشئون الاجتماعية، والهلال والأهرام. كما عمل مدرسًا في مدارس وزارة المعارف، واستمر ينتقل فيها حتى انتهى به المطاف في حلوان التي استقر فيها، واشترى أرضًا وبنى بيتًا كبيرًا، وانتقل إلى وزارة المعارف عام 1940م، وعمل في مراقبة الثقافة العامة، وفي عام 1947م ترأس سيد قطب تحرير مجلة العالم العربي، التي أصدرها مع رجل نصراني يُدعى يوسف شحاتة ـ وذلك يكفي للرد على من اتهمه بالتعصب ضد النصارى ـ وساهم فيها رجال الأدب والفن، مثل: طه حسين، وشفيق غربال، وأنور المعداوي، ونجيب محفوظ، وعيسى الناعوري
كما أنشأ في نفس العام مع ثمانية من مثقفي مصر ومفكريها ـ منهم محمد الغزالي، ونجيب محفوظ، وعبد المنعم شميس، وعبد الحميد جودة السحار ـ مجلة أطلقوا عليها اسم الفكر الجديد، واتفق الجميع على رئاسة سيد قطب لتحرير تلك المجلة.
وأخذ يكتب مقالاته النقدية الجريئة ويصب جام غضبه على الظواهر الاجتماعية والسياسية الشائعة في المجتمع، وكان أكثر هجومه على رجال الحاشية الملكية ورجال الإقطاع والأحزاب والباشوات وأغنياء الحرب وعملاء الإنجليز، فضاقت الحكومة ذرعًا به، وأرادت التخلص منه بطريقة تبدو معقولة، فتقرر إيفاده إلى أمريكا، وكانت مهمته دراسة المناهج التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وغادر سيد قطب القاهرة إلى أمريكا في نوفمبر 1948م، وقضى بها عامين كاملين حيث عاد في 23/8/1950م, وعُين بوظيفة مراقب مساعد بمكتب وزير المعارف، وكان وقتها إسماعيل القبّاني.
انضم سيد قطب إلى الإخوان المسلمين عام 1951م، وانتُخِب عضوًا في مكتب الإرشاد، وعيِّن رئيسًا لقسم نشر الدعوة في المركز العام للجماعة عام 1952م، وتولى رئاسة تحرير جريدة الجماعة الأسبوعية.
ولما قامت ثورة يوليو 1952م فرح الإخوان بها، ولكن سيدًا كان أكثر فرحًا بها، حيث ساهم في الإعداد لها, كما كان صديقًا لبعض الضباط، وقد وردت في الصحف في مطالع الثورة بعض صوره التذكارية مع محمد نجيب وجمال عبد الناصر، ولكن سرعان ما نشب الخلاف بين رجال الثورة والإخوان، وراح سيد قطب المفكر الإسلامي والأديب ضحية هذا الخلاف، حيث تم سجنه من عام 1954م إلى عام 1964م، وتم الإفراج عنه بوساطة الرئيس العراقي عبد السلام عارف، ولكن تم اعتقاله مرة أخرى في 9 أغسطس عام 1965م، وتم إعدامه في 29 أغسطس 1966م فجر يوم الاثنين 13 جمادى الأولى 1386هـ.
تراث قيّم وضخم
أصدر سيد قطب العديد من الدراسات في مجالات متنوعة, ففي النقد الأدبي أصدر: مهمة الشاعر في الحياة، كتب وشخصيات، في النقد الأدبي أصوله ومناهجه، والتصوير الفني في القرآن، ومشاهد القيامة في القرآن...
ومن الأدب: الشاطئ المجهول (ديوان شعر)، طفل من القرية، أشواك (رواية)، والمدينة المسحورة.
وفي مجال الدعوة الإسلامية أصدر: العدالة الاجتماعية في الإسلام، هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، السلام العالمي والإسلام، نحو مجتمع إسلامي، دراسات إسلامية، معالم في الطريق؛ ويعد هذا الكتاب واحدًا من طليعة الكتب التي أثارت ضجة كبرى على الصعيد العالمي في العصر الحديث، وكان السبب في إعدامه..
أما في ظلال القرآن فيعد كتابه الأضخم والأهم، وهو لون جديد في تفسير القرآن لم يسبقه إليه أحد من المفسرين، فهو تجربة حية صادقة عاشها صاحبها بروحه وفكره وشعوره وكيانه كله, وعاشها لحظة لحظة، وفكرة فكرة، ولفظة لفظة, وأودعها خلاصة تجربته الحية في عالم الإيمان..
لقد كان سيد قطب نافذ البصيرة, عميق النظر, واسع الأفق، جادًّا، وكان يحتاط ويتورع ويهاب عند تفسيره لآيات كتاب الله، كما كان جلّ تركيزه على العقيدة وشرح لا إله إلا الله، يقول الأستاذ محمد قطب: إن كتابات سيد قطب تركزت حول موضوع معين هو بيان المعنى الحقيقي لـ«لا إله إلا الله»؛ شعورًا منه بأن كثيرًا من الناس لا يدركون هذا المعنى على حقيقته، وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان كما وردت في الكتاب والسنة، ولكنه مع ذلك حرص حرصًا شديدًا على أن يبين أن كلامه هذا ليس مقصودًا به إصدار الأحكام على الناس، إنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة ليتبينوا هم لأنفسهم إن كانوا مستقيمين على طريق الله كما ينبغي أم أنهم يحيدون عن هذا الطريق فينبغي عليهم أن يعودوا إليه..
وقد أثنى عليه علماء أجلاء وشيوخ فضلاء؛ منهم الشيخ عبد الله بن جبرين, والشيخ محمد حسان، والشيخ سلمان العودة, والشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، والشيخ بكر عبد الله أبو زيد، وصدرت عنه دراسات كثيرة تناولت معظم كتاباته, وإن كانت كتاباته المبكرة لم تحظَ بنصيب كبير من البحث والدراسة.
يقول الإمام الشهيد سيد قطب: "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع ... حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة"
نعم ظلت كلمات الشهيد وستظل حية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
كتابه المرجع: معالم في الطريق
وتفسيره : في ظلال القرآن، الذي اودعه خلاصة تجربته في عالم الإيمان
من مؤلفاته كذلك: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، أو فكرة الإسلام عن الله والكون و الحياة والإنسان
اقرأوا"معالم في الطريق" لتعرفوا لماذا حكم عليه بالإعدام؟
سيظل الشهيد رمزا ومرجعا، وسياتي يوم إن شاء الله تدرس فيه كتبه في المدارس والجامعات، وتسمى باسمه الشوارع والميادين في كامل أرجاء العالم الإسلام.
وستنجب الأمة إن شاء الله من يسيرون على دربه
معلومات المقال مقتبسه
أرجواالله العلي القدير رافع السموات السبع بدون عمد أن يجمع جميع المسلمون معه في جنة الفردوس